الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة وعود رئاسية جوفاء : كيف لمن عجز عن تأمين "هيبة الملاعب" أن يضمن سيادة الدولة ؟

نشر في  21 نوفمبر 2014  (12:57)

على امتداد عشرين يوما تقريبا، تعدّدت الخطب السياسية وتباينت باختلاف الايديولوجيات والمشارب الفكرية لهذا المرشح للرئاسية أو ذاك، غير أن الخيط الرابط بينهم جميعا هو السعي المحموم الى كرسي قصر قرطاج وان اختلفت الموازين والحظوظ والأهلية لذلك.
في الأثناء لاحظ الكثيرون عزفا شجيّا على وتر الفقر والخصاصة الى حد قارب الاقتناع والاستنتاج الحتمي بأن هناك متاجرة بآلام أصحاب الفاقة والخصاصة بما أن الكثيرين أطلقوا بالونات اختبار لاستدرار عواطف المهمّشين والضعفاء و"الغلابة"،وما أكثرهم في بلادنا..
ولأن المشهد السياسي بات مفتوحا بصفة شبه كلية في تونس على الواقع المعيش، وعاد ليستأثر باهتمام الكثيرين، ولم يعد حكرا على أي كان أو من "التابوهات" كما جثم الأمرعلى صدورنا سابقا..فان الجمهور الرياضي ببلادنا بات منتبها الى مضمون الخطب والوعود وحتى الى خلفيات المرشّحين نحو المنصب..ولا غرابة في الأمر بما أن الكثيرين وظّفوا الرياضة في مساعيهم السياسية باختلاف الانتماءات والجرعات أثناء عملية المزج التي صرنا نخشى أن تتجاوز حدودها وتخلق فائضا من الاستثمار "الخبيث" لمشاعر وأصوات جماهير الرياضة...
بين الرياضة والسياسة حدث زواج متعة في الانتخابات التشريعية مازالت طبوله تدقّ على هامش الرئاسية والحالات الموثّقة لذلك بلا حدّ، سليم الرياحي مثلا جمع بين رئاسة الافريقي والاتحاد الوطني الحرّ ويطمح الى كرسي رئاسة البلاد..ومازال هوس الكرسي يطارد الباجي قائد السبسي وهو من الترجيين المعروفين بالانتماء الى الأحمر والأصفر..ولعلّ من العوامل التي زادت في حرصه هو تشبّثه التاريخي بطيف الحبيب بورقيبة الذي جمع بين الترجي والرئاسة..كما أن منذر الزنايدي تولّى المنصب ذاته في الترجي وهاهو في سباق مفتوح نحو قصر قرطاج..وكذا حال سمير العبدلي الذي سعى الى توظيف حالة الفراغ التسييري في الترجي ليستميل بعضا من أنصار النادي بقوله ان هنالك من عرض عليه رئاسة الترجي وهو ما سينظر فيه لاحقا بعد الاستحقاق الرئاسي..وهذا -وبمنتهى الصراحة- حديث ضعيف النسب والسند لرجل مجهول الهوية والخلفيات سياسيا حتى لا نقول شيئا أخر...
محمد الفريخة يعدّ من المقربين الى النادي الصفاقسي بدوره واقترن اسمه بشركة الطيران التي لاقت اشعاعا في ظرف معيّن بشراكتها مع جامعة الكرة..وكذلك حامد القروي الذي استمال في جانب ما جماهير النجم الساحلي خلال حملته الانتخابية للتشريعية باعتباره من أبرز الأسماء التي تداولت على رئاسة نادي جوهرة الساحل..دون أن ننسى الهاشمي الحامدي الذي قال ان خصاله الكروية تضاهي حمادي العقربي وهو "كلوبيست" وأحق من غيره بأصوات شعب الافريقي وفق نظريته الخاصة...
حالات مدد عاطفي كبيرة أثبتت أن عددا من المترشحين للانتخابات الرئاسة لعبوا على وتر الانتماء الكروي وصلتهم الوثيقة ب"'الفيراج"..بيد أن الملاحظ العادي يدرك أنها ليست الا مصبّرات ومجرّد كلام أجوف للاستهلاك ولا يتعدى حدود ذلك، والدليل أن الجيش الكبير من الأسماء المذكورة وغيرها من البعيدة عن عالم الرياضة، لم يتجرّأ أي منهم على طرح وعد باعادة الحرارة الى الملاعب التونسية ورفع الحظر الجماهيري المفروض منذ ثلاث سنوات ونيف والذي حوّل كرتنا الى مسارح ومقابر صامتة لا طعم ولا لون ولارائحة فيها...
أي نعم، لم يتبادر الى ذهن أي مرشح أن يعيد الهيبة الى ملاعبنا وقاعاتنا الرياضية قبل الحديث عن سيادة الدولة ومحاربة الارهاب وغيرها من الملفات الحارقة ولكأنها ستحسم بجرّة قلم أو الضغط على زرّ...
المنطق والتدرّج النسبي غابا عن الطامحين والطامعين في الرئاسة ممن فاتهم أن الشعب التونسي يتنفّس كرة تحوّلت الى "أفيون شعوب"..وأن أقرب طريق الى قلب الناخب من الشباب العازف عن التصويت في التشريعية هو طمأنته بأن الدربي سيدور لاحقا أمام ستين ألف متفرّج وأن منتخبنا الوطني لن يخوض مباراياته لاحقا ولكأنه غريب في موطنه، وأن جماهير "الشنوة" في سوسة بمقدورها اكتساح مدرجات الملعب الأولمبي..وأن دربي قابس سيجرى أمام شبابيك مغلقة..وكذا حال النادي الصفاقسي والنادي البنزرتي وشبيبة القيروان والاتحاد المنستيري وغيرها من الفرق في مختلف الملاعب عبر كلّ شبر من البلاد..
الرياضة حببنا أم كرهنا باتت المتنفس الوحيد في زمن "تغوّل" الساسة واستئثارهم بكل المنابر رغم أنهم تسبّبوا في آلام مادية ومعنوية للتونسيين..بيد أن منسوب الخطاب في الحملة التي توشك على الصمت خلال ساعات لم يتطوّر ولم ينتبه في جوهره الى أن من عجز عن توفير الأمن والسيادة والاطمئنان في مسارح كروية سيشقى كثيرا -دون شك- في تسيير دواليب دولة بأكملها...


طارق العصادي